Friday, August 9, 2013

إبتلاءٌ فصبرٌ فعطاءٌ فشكر



الحمد لله فاطر السماوات و الأرض، رب كل شيء و مليكه، يخلق و يرزق، يبسط الرزق لمن يشاء، و يمسكه عن من يشاء، خلق آدم فأحسن و أبدع تصويره، ثم نفخ فيه من روحه فإذا به خلق شريف كريم تسجد له الملائكة بأمره، ثم يستخلفه في الأرض و ذريته، جعل الأرض لنا ذلولا، و كذلك ذلل الأنعام فمنها ما نأكل و منها ما نركب، سبحانه سخّر لنا كل ما في الكوكب، و أرسل علينا خاصة نبيّا على لسان العرب، محمد ﷺ في أشرف النسب، ليستخلصنا من مآرب الشرك و البدع و الكرب، الى شرع نزيه يوافق فطرة القلب، أفلا يُشْكر بهذا و يُحْمد و يُعْبد الرّب؟

اما بعد،

فلعل من الناس من يغلب عليه اشيطان احيانا في تفكيره، و ينتهز الشيطان دائما امتحان الرحمن لعبده ليختبر صبره و تشميره، فيقع العبد في حيرة ما بين فطرة القلب و وسوسة الشيطان الرجيم مقلّب المفاهيم، فقد خُلِقَ الإنسان ضعيفا مستسلماً لرغبات الهوى، إلا من كان يرطب لسانه بالذكر و يطهر قلبه من الوساوس بالإيمان.

إن أكثر ما يفتن به ابن آدم هو المال، قال تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْث ﴾ (١). فهو يفتن بما يحب، إمّا بكثرة المال و البنين فيُختبر بما ينفق منها لله مما أعطاه، و إمّا بفقر و حاجة فيختبره الله عز و جل ليصبر على ما إبتلاه.

إن الأرزاق مقسومة لابن آدم محسومة من يوم ولادته حتى مماته، قال ﷺ : "إنَّ اللهَ تعالى وكَّلَ بالرحمِ ملَكًا يقولُ : أيْ ربِّ نطفةٌ ، أيْ ربِّ علقةٌ ؛ أيْ ربِّ مضغةٌ ، فإذا أراد اللهُ أنْ يقضيَ خَلْقَها قال : أيْ ربِّ شقيٌّ أم سعيدٌ ؟ ذكرٌ أو أنثى ؟ فما الرزقُ ؟ فما الأجلُ ؟ فيُكتبُ كذلك في بطنِ أمِّه" (٢). فمن كان يتذمّر دائما على قدره و حظه فهو فالواقع يرفض ما كتب الله له دون رضى ولا صبر، و ما أُمر العباد إلا لطاعة الله و عبادته و الصبر على إبتلاءه، فلو أنه جمّل في طلبه من الله عز و جل ليصرف عنه ما به من أذى لكان خير له.

قال ﷺ :"إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفثَ في رُوعِي ، أنَّ نفسًا لَن تموتَ حتَّى تستكمِلَ أجلَها ، وتستوعِبَ رزقَها ، فاتَّقوا اللهَ ، وأجمِلُوا في الطَّلَبِ ، ولا يَحمِلَنَّ أحدَكم استبطاءُ الرِّزقِ أن يطلُبَه بمَعصيةِ اللهِ ، فإنَّ اللهَ تعالى لا يُنالُ ما عندَه إلَّا بِطاعَتِهِ".(٣)

و الطلب من الله سبحانه و تعالى ليس فقط في الدعاء، بل بكل الأعمال الصالحة التي يقدمها العبد، فالإستجابة للعبد الصالح ليست كغيره، و من هذه الأعمال صلة الرحم، فصلة الرحم عمل عظيم يدر لصاحبه منافع كثيره، يقول ﷺ :"مَنْ أحبَّ أنْ يُبْسَطَ لهُ في رِزْقِهِ ، و أنْ يُنْسَأَ لهُ في أَثَرِهِ ، فَلْيَصِلْ رحمَهُ ."(٤).

و لعل الرجل الصالح المتيقن يعي ان الرزق الحقيقي ليس فقط مبا حبب للناس ما في الدنيا، انما المرزوق من رزق عملا في دنياه أدخله به الله عز و جل الجنة، فمن كان يعتقد انه فقير لا رزق له، كان ذلك له رزق في الآخرة ان صبر عليه، و كان له فقر ان جحد و رفض ما يمتحن به.

فلا يعجلن احد على رزقه، قال المصطفى ﷺ :"لو أنَّ ابنَ آدمَ هرَبَ من رزقِهِ كما يهرَبُ من الموتِ ، لأدْرَكَهُ رزْقُهُ كما يُدْرِكُهُ الموتُ"(٥).

و لِيَعْلم أن خير الأرزاق في الدنيا ما كان يسد حاجة المرء و يغنيه عن الحاجة لأحد من الناس، فقد قال ﷺ :"خيرُ الرِّزقِ الكَفافُ"(٦)، و قال ايضا ﷺ :"اللهمَّ اجعلْ رِزْقَ آلِ محمدٍ في الدنيا قُوتًا"(٧). و عليه الاستمار في الاعمال الثلاثة التي اذا عملها ضمن إن عاش رزق و كُفي، و ان مات يدخل الجنه، قال ﷺ :"ثلاثةٌ كلُّهم ضامنٌ على الله إن عاش رُزِقَ و كُفِيَ ، و إن مات أدخله اللهُ الجنَّةَ : من دخل بيتَه فسلّم ، فهو ضامنٌ على اللهِ ، و من خرج إلى المسجدِ فهو ضامنٌ على اللهِ ، و من خرج في سبيلِ اللهِ فهو ضامنٌ على اللهِ" (٨).


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ (٩).


و الصلاة و السلام على النبي ﷺ
و الحمد لله رب العالمين





طارق القائد









المراجع:

١- سورة آل عمران ١٤

٢- الراوي: نس بن مالك 
المحدث:الألباني
المصدر: صحيح الجامع
الصفحة أو الرقم: 1837
خلاصة حكم المحدث: صحيح

٣- الراوي: أبو أمامة الباهلي
المحدث:الألباني
المصدر: صحيح الجامع
الصفحة أو الرقم: 2085
خلاصة حكم المحدث: صحيح

٤- الراوي: أنس بن مالك
المحدث:الألباني
المصدر: صحيح الأدب المفرد
الصفحة أو الرقم: 41
خلاصة حكم المحدث: صحيح

٥- الراوي: جابر بن عبدالله
المحدث:الألباني
المصدر: صحيح الجامع
الصفحة أو الرقم: 5240
خلاصة حكم المحدث: حسن

٦- الراوي: زياد بن جبير
المحدث:الألباني
المصدر: صحيح الجامع
الصفحة أو الرقم: 3275
خلاصة حكم المحدث: صحيح

٧- الراوي: أبو هريرة
المحدث:الألباني
المصدر: صحيح الجامع
الصفحة أو الرقم: 1257
خلاصة حكم المحدث: صحيح

٨- الراوي:  أبو أمامة الباهلي المحدث:الألباني
المصدر: صحيح الترغيب
الصفحة أو الرقم: 321
خلاصة حكم المحدث: صحيح

٩- سورة البقرة ١٧٢

No comments:

Post a Comment